حين يؤثّر الغيب في حياتنا: لماذا نحتاج إلى الرقية؟

حين لا تجد تفسيرًا لما تشعر به

في حياة كثير من الناس، هناك لحظات لا يُفسّرها المنطق، ولا تُطمئنهم فيها نتائج الفحوصات. شخصٌ يشتكي من آلام متنقلة في جسده، يذهب إلى الطبيب، يجري التحاليل اللازمة، ويُخبَر أن كل شيء طبيعي. آخر يشعر بثقل في صدره، وبكآبة لا يعرف مصدرها، رغم أنه يعيش حياة مستقرة. امرأة ترى كوابيس متكررة، أو تجد نفسها في قلق دائم، وطفل لا ينام ليلًا دون سبب واضح.

كل هذه المشاعر، حين تتراكم، تدفع الإنسان إلى التساؤل: هل ما أشعر به له تفسير آخر؟ هل يمكن أن يكون وراء هذا الألم شيء لا يُقاس؟
هنا تبدأ رحلة التفكير بما هو أبعد من الظاهر… بما هو من عالم الغيب.

الرقية… ليست سحرًا ولا خرافة

حين يُذكَر مصطلح “الرقية”، يظن البعض أنها مرتبطة بالخرافة أو الشعوذة. لكن الحقيقة أنها أبعد ما تكون عن ذلك. الرقية الشرعية، كما وردت في القرآن والسنة، هي تلاوة آيات من كتاب الله، وأدعية مأثورة من سنة النبي ﷺ، تُقرأ على الإنسان بقلب خاشع، ونية صادقة للشفاء. هي عبادة قائمة على الإيمان والتوكل، وليست حيلة نفسية أو طقوسًا غريبة.

النبي ﷺ رقى نفسه، ورقى غيره، وأوصى الصحابة بالرقية، ووصفها بأنها نافعة بإذن الله، ما دامت خالية من الكلمات غير المفهومة أو الممارسات غير الشرعية.

الرقية ليست طقسًا خارقًا، بل هي لحظة صفاء، تُفتح فيها القلوب لتتصل بكلام الله، ولتتذكّر أن هناك شفاءً لا يكون إلا من عنده.

ما لا تراه العين… قد يؤذي

القرآن الكريم علّمنا أن هناك عالَمًا غيبيًا يؤثّر في حياتنا، مثل العين، الحسد، السحر، والمسّ. وكلها أمور حقيقية، ذكرت في آيات واضحة. والرقية هي الوسيلة الشرعية لتحصين النفس منها، أو لإبطال أثرها إن وقعت.

وليس المقصود أن كل مشكلة في الحياة سببها الحسد أو السحر، ولكن هناك حالات واضحة، لا تفسير لها طبيًّا، تتحسّن بشكل لافت عند تطبيق الرقية الشرعية. هذا لا يعني المبالغة في تعليق كل شيء على الغيبيات، لكن يعني أن نكون متوازنين: نأخذ بالأسباب، ونتوكّل على الله، ونلجأ إلى الرقية كما نلجأ إلى الطبيب، كلاهما سبب، والشافي هو الله وحده.

القرآن شفاء… بالمعنى الكامل للكلمة

حين نُصاب بصداع، نأخذ دواءً ونرتاح، لكن حين نُصاب بقلقٍ داخلي، أو خوفٍ لا يُفسَّر، ما هو العلاج؟ كثيرون جربوا الرقية بعد يأس طويل، ووجدوا فيها راحة لا تُوصَف. هناك من يبكي أثناء الجلسة دون أن يعرف السبب. وهناك من يشعر أن هناك شيئًا خفيًا خرج من داخله، دون صراخ، ودون عرضٍ درامي، فقط هدوء وسكينة نزلت مع التلاوة.

هذا هو الشفاء القرآني… ليس دائمًا “معجزة”، لكنه راحة حقيقية، وإعادة اتصال بين العبد وربه، في زمن كثرت فيه الضغوطات، وتاهت فيه النفوس.

الرقية ليست للمرضى فقط… بل للقلوب أيضًا

لا يجب أن تنتظر أن تمرض لتلجأ للرقية. هي وسيلة لتحصين النفس، ولتصفية القلب، ولتهذيب الروح. كم من شابٍ يشعر بضياع في حياته، وكم من أمٍّ تبحث عن استقرار بيتها، وكم من مراهق يشكو من قلق لا يعرف له مصدرًا. كل هؤلاء يمكن أن يستفيدوا من الرقية، لا كعلاج طبي، بل كوقفة إيمانية صادقة.

في جلسة الرقية، لا نكتفي بالتلاوة، بل نوجّه الشخص إلى أذكار الصباح والمساء، إلى الصلاة في وقتها، إلى الثقة بالله، وإلى أن الشفاء لا يكون فقط للجسد، بل للقلب والعقل والروح أيضًا.

ماذا نقدّم في المركز الثقافي الإسلامي الكندي؟

في المركز، نقدّم جلسات رقية شرعية بطريقة محترفة ومتزنة. نحترم خصوصية كل شخص، ونتعامل مع الحالة بأمانة تامة.
كل جلسة تبدأ بالحوار والتقييم، ثم تلاوة الآيات المناسبة، وربما استخدام ماء مقرؤ عليه أو زيت، وفق ما ورد في السنة. لا نستخدم طرقًا غريبة، ولا نخرج عن النصوص الثابتة، ولا نبالغ في التشخيص. بل نلتزم بقاعدة واضحة:
“نحن سبب… والشفاء من الله.”

نوفر أيضًا إرشادات بعد الجلسة: ماذا تفعل في بيتك؟ كيف تحصّن نفسك؟ ما الأذكار التي يجب أن تحافظ عليها؟ لأننا نؤمن أن دورك في التعافي لا يقل عن دورنا.

لا تتردد… جَرّب أن تتصل بكلام الله

الرقية الشرعية ليست فقط وسيلة للعلاج… بل هي وسيلة للعودة. العودة إلى الله، إلى الطمأنينة، إلى الإيمان الذي يُشعر الإنسان بأنه ليس وحده.
إذا كنت تمرّ بتجربة لا تفهمها، أو إذا كنت تشعر أن هناك شيئًا غير طبيعي في حالتك، فلا بأس أن تمنح الرقية فرصة.
اقرأ، اسمع، جَرّب… فقد يكون فيها بابٌ فتحه الله لك دون أن تدري.

“ومن يتوكّل على الله فهو حسبه.”
“وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين.”

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Fill out this field
Fill out this field
Please enter a valid email address.
You need to agree with the terms to proceed